حد الساحر
ذهب الجمهور: أبو حنيفة ، ومالك، ورواية عن أحمد إلى أن الكافر زنديق يقتل ولا يستتاب، وقال الشافعي : لا يقتل الساحر بمجرد السحر، إلا إذا ثبت أنه قتل بسحره.
والراجح ما ذهب إليه الجمهور، وذلك:
1. لِمَا خرج البخاري في صحيحه عن بجالـة: "أن عمر كتب إليهم أن اقتلوا كل ساحر وساحرة".
2. زاد عبد الرزاق في رواية بجالة: "فقتلنا ثلاث سواحـر".
3. ولِمَا خرجه الترمذي في سننه مرفوعاً وموقوفاً عن جندب قال: "حد الساحر ضربة بالسيف".
4. وصح عن حفصة أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها.
والراجح والله أعلم أنه لا فرق بين الساحر المسلم والمعاهد، ولا يرد على ذلك عدم قتل النبي صلى الله عليه وسلم للبيد بن الأعصم، لأنه كان لا ينتقم لنفسه.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (واستدل بهذا الحديث على أن الساحر لا يقتل حداً إذا كان له عهد، وأما ما أخرجه الترمذي من حديث جندب رفعه قال: "حد الساحر ضربة بالسيف"، ففي سنده ضعف، فلو ثبت لخص منه ما له عهد.
إلى أن قال:
قال ابن بطال: لا يقتل ساحر أهل الكتاب عند مالك والزهري إلا أن يقتل بسحره فيُقتل، وهو قول أبي حنيفة والشافعي، وعن مالك إن أدخل بسحره ضرراً على مسلم لم يعاهد عليه نقض العهد بذلك فيحل قتله، وإنما لم يقتل النبي صلى الله عليه وسلم لبيد بن الأعصم لأنه كان لا ينتقم لنفسه، ولأنه خشي إذا قتله أن تثور بذلك فتنة بين المسلمين وبين حلفائه من الأنصار، وهو من نمط ما راعاه من ترك قتل المنافقين، سواء كان لبيد يهودياً أو منافقاً على ما مضى من الاختلاف فيه. قال: وعند مالك أن حكم الساحر حكم الزنديق، فلا تقبل توبته، ويقتل حداً إذا ثبت عليه ذلك ، وبه قال أحمد، وقال الشافعي: لا يقتل إلا إن اعترف أنه قتل بسحره، فيقتل به، فإن اعترف أن سحره قد يقتل، وقد لا يقتل، وأنه سحره، وأنه مات، لم يجب عليه القصاص، ووجبت عليه الدية في ماله لا على عاقلته، ولا يتصور القتل بالسحر بالبينة ، وادعى أبو بكر الرازي في "الأحكام" أن الشافعي تفرد بقوله إن الساحر يقتل قصاصاً إذا اعترف أنه قتل بسحره، والله أعلم).
وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ معلقاً على حديث جندب: (رواه الترمذي وقال: الصحيح أنه موقوف.. وقد رواه ابن قانع والحسن بن سفيان من وجهين عن الحسن عن جندب الخير: أنه جاء إلى ساحر فضربه بالسيف حتى مات . وقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، فذكره. قوله: "حد الساحر ضربة بالسيف"، روي بالهاء و بالتاء وكلاهما صحيح. وبهذا الحديث أخذ أحمد، ومالك، وأبو حنيفة، فقالوا: يقتل الساحر، وروي ذلك عن عمر، وعثمان، وابن عمر، وحفصة، وجندب بن عبد الله، وجندب بن كعب، وقيس بن سعد، وعمر بن عبد العزيز، ولم ير الشافعي عليه القتل بمجرد السحر إلا إن عمل في سحره ما يبلغ الكفر به، قال ابن المنذر: وهو رواية عن أحمد، والأول أولى للحديث والأثـر عن عمر، وعمل به الناس في خلافته من غير نكير.
إلى أن قال: وظاهره أنه يقتل من غير استتابة، وهو كذلك المشهور عن أحمد، وبه قال مالك، لأن علم السحر لا يزول بالتوبة، وعن أحمد يستتاب، فإن تاب قبلت توبته، وبه قال الشافعي، لأن ذنبه لا يزيد على الشرك، والمشرك يستتاب وتقبل توبته، ولذلك صح إيمان سحرة فرعون وتوبتهم).
قلت: هذا قياس مع الفارق، فإن سحرة فرعون تابوا على يدي رسولين كريمين، وقد أوحى الله لهما بصدق هؤلاء، فلا يمكن أن يقاس على ذلك.